لماذا الهوية العلمية الرقمية للباحث؟
في ظل الثورة العلمية والتكنولوجية المعاصرة، أضحت الهوية الرقمية للباحث عنصرا أساسيا لا يمكن تجاهله في الحياة الأكاديمية الراهنة. لم تعد الهوية العلمية تقتصر على مجرد الانتماء إلى مؤسسة جامعية أو نشر المقالات العلمية في مجلات محكمة ورقية، بل أصبحت تتجسد كذلك في الوجود الرقمي المنظم والفاعل للباحث على منصات علمية عالمية، تشكل اليوم معيارا لقياس القيمة العلمية والتأثير الأكاديمي للباحث على المستوى دولي.
أصبحت الهوية الرقمية مطلبا ملحّا بفعل التطور الهائل في أدوات البحث العلمي وانتشاره عبر الإنترنت. هذا التحول الرقمي لم يكن شكليا، بل جاء نتيجة حاجة ملحة إلى آليات تمكن الباحثين من عرض أعمالهم وتوسيع شبكاتهم الأكاديمية والتفاعل مع المجتمع العلمي الدولي، الأمر الذي أدى إلى اعتبار الهوية الرقمية أداة استراتيجية في المسار الأكاديمي،لأنها تكسر الحواجز والعراقيل،التي كانت في السابق تعيق التواصل العلمي الأكاديمي بين الباحثين، ويمكن أن نجمل أهميتها،كما يلي:
-التعريف بالإنتاج العلمي لدى المجتمع الأكاديمي الدولي:
تتيح الهوية العلمية الرقمية للباحث التعريف بإنتاجه العلمي بشكل منظم وشفاف، مما يمكن الباحثين حول العالم من الاطلاع على مقالاته وأبحاثه ومشاركاته العلمية، وبالتالي توسيع دائرة التأثير العلمي وتبادل المعارف. كما تسهم في تعزيز سمعة الباحث داخل تخصصه الأكاديمي، خاصة في مجالات البحث المتقدمة، وتتيح مواقع الهوية الرقمية للباحثين إمكانية تضمين ملخصات مقالاتهم وكلمات المفاتيح المرتبطة بها.
-بناء شبكة علاقات علمية عبر التخصصات:
واحدة من أهم مزايا الهوية الرقمية للباحث هي قدرتها على ربط الباحثين من مختلف أنحاء العالم ببعضهم البعض. عبر هذه المنصات الرقمية، يمكن للباحث أن يتعرف على باحثين آخرين في مجاله أو في مجالات متقاطعة، مما يفتح الباب أمام مشاريع علمية مشتركة، ومساهمات متعددة التخصصات، وفرص نشر مشترك.
-تنظيم وترتيب الإنتاج العلمي:
المنصات العلمية الخاصة بالهوية الرقمية، مثل Google Scholar وORCID وResearchGate وAcademia، تعد أدوات مجانية فعالة لتنظيم الإنتاج العلمي للباحث. فهي لا تكتفي بجمع المقالات والمنشورات، بل تتيح تصنيفها حسب التاريخ أو التخصص، وتوثيق المشاركات في المؤتمرات الدولية والوطنية، وتقديم إحصائيات دقيقة عن عدد الاقتباسات ومدى التأثير العلمي،وعدد زوراها حسب القارات والبلدان.
- تسهيل الوصول إلى البروفايل العلمي للباحث:
تسهم الهوية الرقمية بشكل كبير في تسهيل البحث عن الباحث من قبل المؤسسات العلمية، مراكز البحث، أو حتى الممولين. إذ تبرز هذه الهوية مجال خبرة الباحث، وتحدد الكلمات المفتاحية التي تسهم في ظهوره ضمن نتائج البحث في المحركات العلمية. فكلما كانت الكلمات المفتاحية دقيقة ومعبرة، زادت فرص ظهور الباحث عند البحث عن مواضيع ضمن تخصصه.
-قياس الإنتاجية العلمية حسب السنوات:
تتيح المنصات العلمية الرقمية تتبع تطور إنتاجية الباحث سنة بعد سنة. فتظهر عدد المنشورات، عدد الاستشهادات العلمية، وعدد القراء أو المتابعين. هذه المعطيات تستخدم كثيرا لتقييم الأداء العلمي في المؤسسات الجامعية، كما تساعد الباحث نفسه في التخطيط لمسيرته الأكاديمية، ومعرفة الدراسات السابقة حول موضوع اشتغاله وتقييمها الأكاديمي.
منصات بارزة للهوية العلمية الرقمية:نذكر من بين أبرز المنصات التي تمكن الباحث من بناء وتطوير هويته العلمية الرقمية:
Google Scholar توفر صفحة خاصة تعرض المنشورات والاقتباسات العلمية ومؤشرات التأثير.
-أورسيد ORCID يمنح الباحث رقماً تعريفياً فريداً يُستخدم عالمياً لتمييز هويته الأكاديمية.
-ريسرشكايتResearchGate منصة تفاعلية للنشر العلمي والتواصل مع الباحثين.
-أكاديما Academia.edu توفر فضاءً لعرض المقالات والتفاعل مع جمهور علمي واسع.
-لينكدنLinkedIn بالرغم من طبيعته المهنية، إلا أنه يُستخدم أيضاً لعرض المسار الأكاديمي للباحث والتواصل مع جامعات وشركات بحثية.
الهوية الرقمية ليست ترفا أكاديميا، بل ضرورة استراتيجية في عصر العولمة العلمية،لأنها تسهم في تعزيز سمعة الباحث، وتسهل الاعتراف الدولي بأعماله، وتعتبر أداة فعالة في التعاون الأكاديمي، والتخطيط للتطور المهني والبحثي، وتفتح آفاقا للباحث للانخراط في شبكة جامعات عالمية، وتسهم في تعزيز التمويل والتعاون البحثي.
في عالم يتجه بسرعة نحو الرقمنة، لم يعد من الممكن للباحث أن يظل بمنأى عن التفاعل مع المنصات العلمية الرقمية. الهوية العلمية الرقمية أصبحت مرآة الباحث أمام المجتمع العلمي العالمي، ومؤشرا دقيقا لمدى حضوره العلمي وتأثيره الأكاديمي. وبالتالي، فإن الاستثمار في بناء هذه الهوية وصيانتها وتحديثها باستمرار، بات واجبا لكل باحث يطمح إلى تحقيق الريادة العلمية والانخراط الفعلي في شبكة الجامعات والمعاهد البحثية العالمية.محمد أبيهي/أستاذ التاريخ المعاصر والراهن بجامعة محمد الخامس بالرباط.
تعليقات الزوار